الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح البلدان **
وولى أبو جعفر المنصور الجزيرة وأرمينية في خلافة السفاح أبي العباس رحمه الله وجه إلى مسافر وأصحابه قائدًا من أهل خرا سان فقاتلهم حتى ظفر بهم وقتل مسافرًا. وكان أهل البيلقان متحصنين في قلعة الكلاب ورئيسهم قدد بن أصفر البيلقاني ولما استخلف المنصور رحمه الله ولى يزيد أسيد السلمى أرمينية ففتح باب اللان ورتب فيه رابطة من أهل الديوان ودوخ الصناربة حتى أدوا الخراج. فكتب إليه المنصور يأمره بمصاهرة ملك الخزر ففعل. وولدت له ابنته منه ابنًا فمات وماتت في نفاسها. وبعث يزيد إلى نفاطة أرض شروان وملاحاتها فجباها ووكل بها. وبنى يزيد أرجيل الصغرى ومدينة أرجيل الكبرى وأنزلهما أهل فلسطين. حدثني محمد بن إسماعيل عن جماعة من مشايخ أهل برذعة قالوا. الشماخية التي في عمل شروان نسبت إلى الشماخ بن شجاع فكان ملك شروان في ولاية سعيد بن سالم الباهلي أرمينية. وحدثني محمد بن إسماعيل عن المشيخة أن أهل أرمينية انتقضوا في ولاية الحسن بن قحطبة الطائي بعد عزل ابن أسيد وبكار بن مسلم العقبلى. وكان رئيسهم موشائيل الأرميني. فبعث إليه المنصور رحمه الله الإمداد وعليهم عامر بن إسماعيل. فواقع الحسن موشائيل فقتل وفضت جموعه واستقامت له الأمور. وهو الذي نسب إليه نهر الحسن بالبيلقان والباغ إلى يعرف بباغ الحسن ببرذعة والضياع المعروفة بالحسنية. وولى بعد الحسن بن قحطبة عثمان بن عمارة بن خريم ثم روح ابن حاتم المهلبي ثم خزيمة بن خازم ثم يزيد بن مزيد الشيباني ثم عبيد الله ابن المهدي ثم الفضل بن يحيى ثم سعيد بن سالم ثم محمد بن يزيد بن مزيد وكان خزيمة أشدهم ولايةً وهو الذي سن المساحة بدبيل والنشوى ولم يكن قبل ذلك ولم يزل بطارقة أرمينية مقيمين في بلادهم يحمى كل واحد منهم ناحيته فإذا قدم الثغر عاملٌٌ من عماله داروه فإن رأوا منه عفة وصرامةً وكان في قوة وعدة أدوا إليه الخراج وأذعنوا له بالطاعة وإلا اغتمزوا فيه واستخفوا بأمره ووليهم خالد بن يزيد بن مزيد في خلافة المأمون فقبل هداياهم وخلطهم بنفسه فأفسدهم ذلك من فعله وجرأهم على من بعده من عمال المأمون. ثم ولى المعتصم بالله الحسن بن علي الباذغيسى المعروف بالمأموني الثغر فأهمل بطارقته وأحراره ولان لهم حتى ازدادوا فسادًا على السلطان وكلبًا على من يليهم من الرعية. وغلب إسحاق بن إسماعيل بن شعيب مولى بني أمية على جرزان ووثب سهل بن سنباط البطريق على عامل حيدر بن كاوس الأفشين على أرمينية فقتل كاتبه وأفلت بحشاشة نفسه. ثم ولى أرمينية عمالٌ كانوا يقبلون من أهلها العفو ويرضون من خراجها بالميسور. ثم إن أمير المؤمنين المتوكل على الله ولى يوسف بن محمد بن يوسف المروزى أرمينية لسنتين من خلافته. فلما صار بخلاط أخذ بطريقها بقراط بن أشوط فحمله إلى سرمن رأى فأوحش البطارقة والأحرار والمنغلبة ذلك منه. ثم إنه عمد عامل له يقال له العلاء بن أحمد إلى دير بالسيسجان يعرف بدير الأقداح لم تزل نصارى أرمينية تعظمه وتهدى إليه فأخذ منه جميع ماكان فيه وعسف أهله فأكبرت البطارقة ذلك وأعظمته وتكاتبت فيه وحض بعضًا على بعض على الخلاف والنقض ودسوا إلى الخويثية وهم علوج يعرفون بالأرطان في الثوب بيوسف وحرضوهم عليه لما كان من حمله بقراط بطريقهم ووجه كل امرءٍ منهم ومن المتغلبة خيلًا ورجالًا ليؤيدوهم على ذلك فوثبوا به بطرون وقد فرق أصحابه في القرى فقتلوه واحووا على ماكان في عسكره فولى أمير المؤمنين المتوكل على الله بغا الكبير أرمينية فلما صار إلى بد ليس أخذ موسى بن زرارة وكان ممن هوى قتل يوسف وأعان عليه غضبًا لبقراط وحارب الخويثية فقتل منهم مقتلة عظيمة وسبى سبيًا كثيرًا ثم حاصر أشوط ابن حمزة بن جاجق بطريق البسفرجان وهو بالباق فاستنزله من قلعته وحمله إلى سر من رأى وسار إلى جرزان فظفر بإسحاق بن إسماعيل فقتله صبرًا وفتح جرزان وحمل من بأران وظاهر أرمينية ممن بالسيسجان من أهل الخلاف والمعصية من النصارى وغيرهم حتى صلح ذلك الثغر صلاحًا لم يكن على مثله ثم قدم سر من رأى في سنة إحدى وأربعين ومائتين. قالوا: وكلن عمر بن العاص حاصر قيسارية بعد انصراف الناس من حرب اليرموك ثم استخلف عليها ابنه حين ولى يزيد بن أبي سفيان ومضى إلى مصر من تلقاء نفسه في ثلاثة آلاف وخمس مئة. فغضب عمر لذلك وكتب إيه يوبخه ويعنفه على افتياته عليه برأيه وأمره بالرجوع إلى موضعه إن وافاه كتابه دون مصر. فورد الكتاب عليه وهو بالعريش. وقيل أيضًا إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص يأمره بالشخوص إلى مصر فوافاه كتابه وهو محاصر قيسارية وكان الذي أتاه شريك بن عبدة فأعطاه ألف دينار فأبى شريك قبولها فسأله أن يستر ذاك ولا يخبر به عمر. قالوا: وكان مسير عمر إلى مصر في سنة تسع عشرة. فنزل العريش ثم أتى الفرماء وبها قوم مستعدون للقتال. فحاربهم فهزمهم وحوى عسكرهم ومضى قدمًا إلى الفسطاط فنزل جنان الريحان وقد خندق أهل الفسطاط. وكان اسم المدينة اليونة فسماها المسلمون فسطاطًا لأنهم قالوا: هذا فسطاط القوم ومجمعهم. وقم يقولون إن عمرًا ضرب بها فسطاطًا فسميت بذلك. قالوا: ولم يلبث عمرو بن العاص وهو محاصر أهل الفسطاط أن ورد عليه الزبير بن خويلد في عشرة آلاف ويقال في أثنى عشر ألفًا فيهم خارجة بن حذافة العدوى وعمير بن وهب الجمحي. وكان الزبير قد هم بالغزو وأراد إتيان إنطاكية فقال له عمر يا أبا عبد الله هل لك في ولاية مصر فقال: لا حاجة لي فيها ولكنى أخرج مجاهدًا وللمسلمين معاونا فإن وجدت عمرًا قد فتحها لم أعرض لعمله وقصدت إلى بعض السواحل فرابطت به وإن وجدته في جهادٍ كنت معه. فسار على ذلك. قالوا: وكان الزبير يقاتل من وجهٍ وعمرو بن العاص من وجه ثم إن الزبير أتى بسلم فصعد عليه حتى أوفى على الحصن وهو مجرد سيفه فكبر وكبر المسلمون واتبعوه. ففتح الحصن عنوةً واستباح المسلمون ما فيه وأقر عمرو أهله على أنهم ذمة ووضع عليهم الجزية في رقابهم والخراج في أرضهم. وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجازه واختط الزبير بمصر وابتنى دارًا معروفة وإياها نزل عبد الله بن الزبير حين غزا إفريقية مع البن أبي سرح. وسلم الزبير باقٍ في مصر. وحدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة أن الزبير بن العوام بعث إل مصر. فقيل له: إن بها الطعن والطاعون. فقال: إنم جئنا للطعن والطاعون. قال: فوضعوا السلاليم فصعدوا عليها. وحدثني عمرو الناقد قال: حدثني عبد الله بن وهب المصري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص دخل مصر ومعه ثلاثة آلاف وخمس مئة. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أشفق لما أخبر به من أمرها فأرسل الزبير بن العوام في أثنى عشر ألفًا فشهد الزبير فتح مصر واختط بها. وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب المصري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة عن سفيان بن وهب الخولاني قال: لما فتحنا مصر بغير عهد قام الزبير فقال: اقسمها يا عمرو. فأبى فقال الزبير: والله لنقسنها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فكتب عمرو إلى عمر في ذلك. فكتب إليه عمر: أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة. قال: وقال عبد الله بن وهب وحدثني ابن لهيعة عن خالد بن ميمون عن عبد الله ابن المغيرة عن سفيان بن وهب بنحوه. وحدثني القاسم بن سلام قال: حدثنا أبو الأسود عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص دخل مصر في ثلاثة آلاف وهمس مئة. وكان عمر قد أشفق من ذلك فأرسل الزبير بن العوام في أثنى عشر ألف فشهد معه فتح مصر. قال: فاختط الزبير بمصر والإسكندرية خطتين. وحدثني إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: اشتبه على الناس أمر مصر فقال قوم: فتحت عنوةً وقال آخرون. فتحت صلحًا والثلج في أمرها أن أبي قدمها فقاتله أهل اليونة ففتحها قهرًا وأدخلها للمسلمين وكان الزبير أول من علا حصنها. فقال صاحبها لأبي: إنه قد بلغنا فعلكم بالشام ووضعكم الجزية على النصارى واليهود وإقراركم الأرض من أيدي أهلها يعمرونها ويؤدون خراجها. فإن فعلتم بنا مثل ذلك كان أرد عليكم من قتلنا وسبينا وإجلائنا. قال. فاستشار أبي المسلمين فأشار عليه بأن يفعل ذلك إلا نفرًا منهم سألوا أن يقسم الأرض بينهم فوضع على كل حالمٍ دينارين جزية إلا أن يكون فقيرًا. وألزم كل ذى أرض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة وقسطى زيت وقسطى عسل وقسطى خل رزقًا للمسلمين تجمع في دار الرزق وتقسم فيهم. وأحصى المسلمون فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف وبرنسًا أو عمامةً وسراويل وخفين في كل عام أو عدل الجبة الصوف ثوبًا قبطيًا وكتب عليهم بذلك كتابًا وشرط لهم إذت وفوا بذلك أن لاتباع نساؤهم وأبناؤهم ولا يسبوا وأن تقر أموالهم وكنوزهم في أيديهم. فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر فأجازه وصارت الأرض أرض خراج إلا أنه لما وقع هذا الشرط والكتاب ظن بعض الناس أنها فتحت صلحًا. قال: ولما فرغ ملك اليونة من أمر نفسه ومن معه في مدينته صالح عن جميع أهل مصر على مثل صلح اليونة. فرضوا به وقالوا: هؤلاء الممتنعون قد رضوا وقنعوا بهذا فنجن به أقنع لأننا فرش لا منعة لنا. ووضع الخراج على أرض مصر فجعل على كل جريب دينارًا وثلاثة أرداب طعامًا وعلى رأس كل حالم دينارين وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب المصري عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن المقوقس صالح عمرو بن العاص على أن يسير من الروم من أراد ويقر من أراد الإقامة من الروم على أمرٍ سماه وأن يفرض على القبط دينارين فبلغ ملك الروم فتسخطه وبعث الجيوش فأغلقوا باب الإسكندرية وآذنوا عمرًا بالحرب فخرج إليه لنقوقس فقال: أسألك ثلاثًا: أن لا تبذل للروم مثل الذي بذلت لي فإنهم قد استغشوني وأن لا تنقض بالقبط فإن النقض لم يأت من قبلهم وإن مت فمر بدفني في كنيسةٍ بالإسكندرية ذكرها. فقال عمرو: هذه أهونهن علي. وكانت قرى من مصر قاتلت فسبى منهم. والقرى: بلهيت والخيس وسلطيس. فوقع سباؤهم بالمدينة فردهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة. وكان لهم عهد لم ينقضوه. وكتب عمرو بفتح الإسكندرية إلى عمر: أما بعد فإن الله قد فتح علينا الإسكندرية عنوةً قسرًا بغير عهد ولا عقد . وهي كلها صلح في قول يزيد بن أبي حبيب. عن يزيد بن أبي حبيب قال: جبى عمرو خراج مصر وجزيتها ألفى ألف وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أربعة آلاف ألف فقال عثمان لعمرو: إن اللقاح بمصر بعدك قد درت ألبانها. قال: ذاك لأنكم أعجفتم أولادها. قال: وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة إحدى وعشرين إلى عمرو بن العاص يعلمه ما فيه أهل المدينة من الجهد ويأمره أن يحمل ما يفيض من الطعام في الخراج إلى المدينة في البحر. فكان ذلك يحمل ويحمل معه الزيت. فإذا ورد الجار تولى قبضه سعد الجار. ثم حمل في دار بالمدينة وقسم بين الناس بمكيال فانقطع ذلك في الفتنة الأولى ثم حمل في أيام معاوية ويزيد ثم انقطع إلى زمن عبد الملك بن مروان ثم لم يزل يحمل إلى خلافة أبي جعفر أو قبيلها. وحدثني بكر بن الهيثم قال: حدثني أبو صالح عبد الله بن صالح عن الليث ابن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن أهل الجزية بمصر صولحوا في خلافة عمر بعد الصلح الأول مكان الحنطة والزيت والعسل والخل على دينارين دينارين. فألزم كل رجل أربعة دنانير فرضوا بذلك وأحبوه. وحدثني أبو أيوب الرقى قال: حدثني عبد الغفار الحراني عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن الجيشاني قال: سمعت جماعة ممن شهد فتح مصر يخبرون أن عمرو ابن العاص لما فتح القسطاط وجه عبد الله بن حذافة السهمى إلى عين شمس فغلب على أرضها وصالح أهل قراها على مثل حكم القسطاط. ووجه حارجة بن حذافة الدوي إلى الفيوم والأشمونين وإخميم والبشرودات وقرى الصعيد ففعل مثل ذلك. ووجه عمير بن وهب الجمحي إلى تنيس ودمياط وتونة ودميرة وشطا ودقهلة وبنا وبوصير ففعل مثل ذلك. ووجه عقبة بن عامر الجهنى ويقال وردان مولاه صاحب سوق وردان بمصر إلى سائر قرى أسفل الرض ففعل مثل ذلك. فاستجمع عمرو بن العاص فتح مصر فصارت أرضها أرض خراج. وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الغفار الحراني عن ابن لهيعة عن إبراهيم بن محمد عن أيوب بن أبي العالية عن أبيه قال: سمعت عمرو بن العاص يقول على المنبر: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحدٍ من قبط مصر علي عهد ولا عقد. إن شئت قتلت وإن شئت خمست وإن شئت بعت إلا أهل أنطابلس فإن لهم عهدًا يوفى لهم به. وحدثني القاسم بن سلام قال: حدثني به عبد الله بن صالح عن موسى بن علي بن رباح اللخمى عن أبيه قال: المغرب كله عنوة. عن الصلت بن أبي عاصم كاتب حيان بن شريح أنه قرأ كتاب عمر بن عبد العزيز إلى حيان وكان عامله على مصر أن مصر فتحت عنوةً بغير عهد ولا عقد. وحدثني أبو عبيد قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: كتب معاوية إلى وردان مولى عمرو أن زد على كل امرئ من القبط قيراطًا. فكتب إليه: كيف أزد عليهم وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم. وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: سمعت عروة بن الزبير يقول: أقمت بمصر سبع سنين وتزوجت بها فرأيت أهلها مجاهيد قد حمل عليهم فوق طاقتهم وإنما فتحها عمرو بصلح وعهد وشيء مفروض عليهم. وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي علاقة عن عقبة بن عامر الجهني قال: كان لأهل مصر عهد وعقد. كتب لهم عمرو أنهم آمنون على أموالهم ودمائهم ونسائهم وأولادهم لا يباع منهم أحد وفرض عليهم خراجًا لا يزاد عليهم وأن يدفع عنهم خوف عدوهم. قال عقبة: وأنا شاهد على ذلك. وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثني يحيى بن آدم عن عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن من سمع عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة قال: سمعت سفيان بن وهب الخولاني يقول: لما افتتحنا مصر بلا عهد قام الزبير بن العوام فقال: يا عمرو! اقسمها بيننا. فقال عمرو: لا والله لا اقسمها حتى أكتب إلى عمر. فكتب إلى عمر فكتب إليه في جواب كتابه: أن اقرها حتى يغزوا منها حبل الحبلة أو قال يغدو. وحدثني محمد سعد عن الواقدي محمد بن عمر عن أسامة بن يزيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: فتح عمرو بن العاص مصر سنة عشرين ومعه الزبير. فلما فتحها صالحه أهل البلد على وظيفة وظفها عليهم وهي ديناران على كل رجل وأخرج النساء والصبيان من ذلك فبلغ خراج مصر في ولايته ألفي ألف دينار. فكان بعد ذلك يبلغ أربعة آلاف ألف دينار. وحدثني أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن المقوقس صاحب مصر صالح عمرو بن العاص على أن فرض على القبط دينارين دينارين. فبلغ ذلك هرقل صاحب الروم فسخط أشد السخط وبعث الجيوش إلى الإسكندرية وأغلقها. ففتحها عمرو بن العاص عنوة. وحدثني ابن القتات وهو أبو مسعود عن الهيثم عن المجالد عن الشعبي أن علي بن الحسين أو الحسين نفسه كلم معاوية في جزية أهل قرية أم ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر فوضعها عنهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالقبط خيرًا. وحدثني عمرو عن عبد الله بن وهب عن مالك الزهري عن ابن لكعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا فإن لهم ذمة ورحمًا وقال الليث: كانت أم إسماعيل منهم. أبو الحسن المدائني عن عبد الله بن المبارك قال: كان عمر بن الخطاب يكتب أموال عماله إذا ولاهم ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك وربما أخذ منهم. فكتب إلى عمرو بن العاص: إنه قد فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم تكن حين وليت مصر. فكتب إليه عمرو: إن أرضنا أرض مزدرع ومتجر فنحن نصيب عن ما نحتاج اليه لنفقتنا. فكتب إليه: إني قد خبرت من عمال السوء ما كفى. وكتابك إلي كتاب من قد أقلقه الأخذ بالحق. وقد سؤت بك ظنًا. وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك فأطلعه وأخرج إليه ما يطالبك أعفه من الغلظة عليك فإنه برح الخفاء فقاسمه ماله. المدائني عن عيسى بن يزيد قال: لما قاسم محمد بن مسلمة عمرو بن العاص قال عمرو: إن زمانًا عاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء. لقد كان العاص يلبس الخز بكفاف الديباج. فقال محمد: مه! لولا زمان ابن حنتمة هذا الذي تكرهه ألفيت معتقلًا عنزًا بفناء بيتك يسرك غزرها ويسوءك بكؤها. قال: أنشدك الله أن لا تخبر عمر بقولي فإن المجالس بالأمانة. فقال: لا أذكر شيئًا مما جرى بيننا وعمر حي. وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة أن مصر فتحت عنوة وحدثني عمرو عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن ابن أنعم عن أبيه عن جده وكان ممن شهد فتح مصر قال: فتحت مصر عنوة بغير عهد ولا عقد. فتح الإسكندرية قالوا: لما افتتح عمرو بن العاص مصر أقام بها. ثم كتب إلى عمر بن الخطاب يستأمره في الزحف إلى الإسكندرية. فكتب إليه يأمره بذلك. فسار إليها في سنة إحدى وعشرين واستخلف على مصر خارجة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بنغالب. وكان من دون الإسكندرية من الروم والقبط قد تجمعوا له وقالوا: نغزوه الفسطاط قبل أن يبلغنا ويروم الإسكندرية. فلقيهم بالكربون فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وكان فيهم أعل سخا وبلهيت والخيس وسلطيس وغيرهم قوم رقدوهم وأعانوهم. ثم سار عمرو بنالعاص حتى انتهى إلى الإسكندرية فوجد أهلها معدين لقتاله إلا أن القبط في ذلك يحبون الموادعة. فأرسل إليه المقوقس يسأله الصلح والمهادنة إلى مدة فأبى عمرو ذلك. فأمر المقوقس النساء أن يقمن على سور المدينة مقبلات وجوههن إلى داخله وأقام الرجال في السلاح مقبلين بوجوههم إلى المسلمين ليرهبهم بذلك. فأرسل إليه عمرو: إنا قد رأينا ما صنعت وما بالكثرة غلبنا من غلبنا. فقد لقينا هرقل ملككم فكان من أمره ما كان. فقال المقوقس لأصحابه: قد صدق هؤلاء القوم أخرجوا ملكنا من دار مملكته حتى أدخلوه القسطنطينية فنحن أولى بالإذعان فأغلظوا القول وأبوا إلا المحاربة. فقاتلهم المسلمون قتالًا شديدًا وحصروهم ثلاثة أشهر. ثم إن عمرًا فتحها بالسيف وغنم ما فيها واستبقى أهلها ولم يسب وجعلهم ذمة كأهل اليونة فكتب إلى عمر بالفتح مع معاوية بن حديج الكندي ثم السكوني وبعث إليه معه بالخمس. ويقال إن المقوقس صالح عمرًا على ثلاثة عشر ألف دينار على أن يخرج من الإسكندرية من أراد الخروج ويقيم بها من أحب المقام وعلى أن يفرض على كل حالم من القبط دينارين. فكتب لهم بذلك كتابًا. ثم إن عمرو بن العاص استخلف على الإسكندرية عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد ابن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي في رابطة من المسلمين وانصرف إلى الفسطاط. وكتب الروم إلى قسطنطين بن هرقل وهو كان الملك يومئذ يخبرونه بقلة من عندهم من المسلمين وبما هم فيه من الذلة وأداء الجزية فبعث رجلًا من أصحابه يقال له منويل في ثلاث مئة مركب مشحونة بالمقاتلة. فدخل الإسكندرية وقتل من بها من روابط المسلمين إلا من لطف للهرب فنجا وذلك في سنة خمس وعشرين. وبلغ عمرًا الخبر فسار إليهم في خمسة عشر ألفًا فوجد مقاتلتهم قد خرجوا يعيثون فيما يلي الإسكندرية من قرى مصر فلقيهم المسلمون فرشقوهم بالنشاب ساعة والمسلمون متترسون ثم صدقوهم الحملة فالتحمت بينهم الحرب فاقتتلوا قتالًا شديدًا. ثم إن أولئك الكفرة ولوا منهزمين فلم يكن لهم ولا عرجة دون الإسكندرية. فتحصنوا بها ونصبوا العرادات. فقاتلهم عمرو عليها أشد قتال ونصب المجانيق فأخرب جدرها وألح بالحرب حتى دخلها بالسيف عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية. وهرب بعض رومها إلى الروم وقتل عدو الله منويل. وهدم عمرو والمسلمون جدار الإسكندرية وكان عمرو نذر لئن فتحها ليفعلن ذلك. وقال بعض الرواة: إن هذه الغزاة كانت سنة ثلاث وعشرين. وروى بعضهم أنهم نقضوا في سنة قالوا: ووضع عمرو على أرض الإسكندرية الخراج وعلى أهلها الجزية. وروي أن المقوقس اعتزل أهل الإسكندرية حين نقضوا فأقره عمرو ومن معه على أمرهم الأول. وروى أيضًا أنه كان مات قبل هذه الغزاة. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروه عن حسان بن شريح عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال: لم نفتح قرية من المغرب على صلح إلا ثلاثًا: الإسكندرية وكفرطيس وسلطيس. فكان عمر يقول: من أسلم من أهل هذه المواضع خلى سبيله وسبيل ماله حدثني عمرو الناقد قال: حدثنا ابن وهب المصري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أنه قال: افتتح عمرو بن العاص الإسكندرية فسكنها المسلمون في رباطهم ثم قفلوا ثم غزوا فابتدروا إلى المنازل. فكان الرجل يأتي المنزل الذي كان ينزله فيجد صاحبه قد نزله وبدر غليه. فقال عمرو: إني أخاف أن تخرب المنازل إذا كنتم تتعاورونها. فلما غزا فصاروا عند الكربون قال لهم: سيروا على بركة الله فمن ركز منكم رمحًا في دار فهي له ولبني أبيه. فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحه في بعض بيوتها ويأتي الآخر فيركز رمحه كذلك أيضًا. فكانت الدار بين النفسين والثلاثة فكانوا يسكنوها فإذا قفلوا سكنها الروم. فكان يزيد بن أبي حبيب يقول: لا يحل لأحد شيء من كرائها ولا تباع ولا تورث إنما كانت لهم سكنى أيام رباطهم. فلما كان قتالها الآخر وقدمها منويل الرومي الخصي أغلقها أهلها ففتحها عمرو وأخرب سورها. قالوا: ولما ولى عمرو مولاه وردان الإسكندرية ورجع إلى الفسطاط فلم يلبث إلا قليلًا حتى أتاه عزله. فولى عثمان بعده عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث أحد بني عامر بن لؤي. وكان أخا عثمان من الرضاعة. وكانت ولايته سنة خمس وعشرين. ويقال: إن عبد الله بن سعد كان على خراج مصر من قبل عثمان. فجرى بينه وبين عمرو كلام. فكتب عبد الله يشكو عمرًا فعزله عثمان وجمع العملين لعبد الله بن سعد. وكتب إليه يعلمه أن الإسكندرية فتحت عنوة وانتقضت مرتين ويأمره أن يلزمها رابطة لا تفارقها وأن يدر عليهم الأرزاق ويعقب بينهم في كل ستة أشهر. وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي أن ابن هرمز الأعرج القارئ كان يقول: خير سواحلكم رباطًا الإسكندرية فخرج إليها من المدينة مرابطًا فمات بها سنة سبع عشرة ومئة. وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن موسى بن علي عن ابيه قال: كانت جزية الإسكندرية ثمانية عشر ألف دينار. فلما كانت ولاية هشام بن عبد الملك بلغت ستة وثلاثين ألف دينار. حدثني عمرو عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: كان عثمان عزل عمرو بن العاص عن مصر وجعل عليها عبد الله بن سعد. فلما نزلت الروم الإسكندرية سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمرًا حتى يفرغ من قتال الروم لأن له معرفة بالحرب وهيبة في أنفس العدو. ففعل حتى هزمهم. فأراد عثمان أن يجعل عمرًا على الحرب وعبد الله على الخراج. فأبى ذلك عمرو وقال: أنا كماسك قرني البقرة والأمير يحلبها. فولى عثمان ابن سعد مصر. ثم أقامت الحبش من البيما بعد فتح مصر يقاتلون سبع سنين ما يقدر عليهم لما يفجرون من المياه في الغياض. قال عبد الله بن وهب: وأخبرني الليث بن سعد عن موسى بن علي عن أبيه أن عمرًا فتح الإسكندرية الفتح الآخر عنوة في خلافة عثمان بعد وفاة عمر رحمه الله. فتح برقة وزويلة حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن شرحبيل بن أبي عون عن عبد الله بن هبيرة قال: لما فتح عمرو بن العاص الإسكندرية سار في جنده يريد المغرب حتى قدم برقة وهي مدينة أنطابلس. فصالح أهلها على الجزية وهي ثلاثة عشر ألف دينار يبيعون فيها من أبنائهم من أحبوا بيعه. حدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن سهيل بن عقيل عن عبد الله بن هبيرة قال: صالح عمرو بن العاص أهل أنطابلس ومدينتها برقة وهي بين مصر وإفريقية بعد أن حاصرهم وقاتلهم على الجزية على أن يبيعوا من أبنائهم من أرادوا في جزيتهم. وكتب لهم بذلك كتابا. حدثني محمد بن سعيد عن الواقدي عن مسلمة بن سعيد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال: كان أهل برقة يبعثون بخراجهم إلى والي مصر من غير أن يأتيهم حاثٌ أو مستحثٌ. فكانوا أخصب قوم بالمغرب ولم يدخلها فتنة. قال الواقدي: وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: لولا مالي بالحجاز لنزلت برقة فما أعلم منزلًا أسلم ولا أعزل منها. وحثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمه أنه قد ولى عقبة بن نافع الفهري المغرب فبلغ زويلة وأن من بين زويلة وبرقة سلم كلهم حسنة طاعتهم قد أدى مسلمهم الصدقة وأقر معاهدهم بالجزية وأنه قد وضع على أهل زويلة ومن بينه وبينها ما رأى أنهم يطيقونه. وأمر عماله جميعًا أن يأخذوا الصدقة من الأغنياء فيردوها في الفقراء ويأخذوا الجزية من الذمة فتحمل إليه بمصر وأن يؤخذ من أرض المسلمين العشر ونصف العشر ومن أهل الصلح صلحهم.
|